تابع ما قبله
(5)قاموا ، وإذا ركع ركعوا ، وإذا سجد سجدوا ، وإذا قعد قعدوا ، وإذا سلّم سلّموا من ورائه صلى الله عليه وعليهم جميعاً وسلّم فهذا ما يقتضيه الشرع في إقتداء المأموم بالإمام ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه )) فكيف تظن هؤلاء الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام صلوا خلف إمامهم- نبينا محمد صلى الله عليه وسلم – إلا أن يكونوا يصلون بصلاته حذو القذة بالقذة ويتبعونه في كل أفعاله عليه الصلاة والسلام .
وفي آخر الزمان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، فيصلي الفجر مع المسلمين يقتدي بإمامهم ويقول : (( أئمتكم أنتم أئمة بعضكم لبعض تكرمة الله تعالى لهذه الأمة )) ولاشك أن عيسى حين يصلي سوف يقتدي بسنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام ، إذ أن شريعة محمّد صلى الله عليه وسلم باقية إلى قيام الساعة ، وهي حق واجب على كل الناس الذين يأتون من بعده ، فبذلك تعلم أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بُعثوا بالصلاة وأُمروا بها وأمروا بها غيرهم ، وأن صفة الصلاة عند الأنبياء جميعاً – والله تعالى أعلم – متقاربة ، بل حتى الملائكة هم يصلون ، ولهم صلوات كصلوات المسلمين ، قيام وركوع وسجود ، ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( نزل جبريل فأمسّني فصليت معه )) وفي الحديث الذي رواه أهل السنن أن جبريل أتى في اليوم الأول فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر في أول الوقت . وفي اليوم الثاني نزل عليه السلام فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر في آخر الوقت وقال له : - (( الصلاة بين هذين الوقتين )) وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه .. ألا تصفون كما تصُّف الملائكة عند ربها ، قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يُتمون الصف الأول فالأول ويتراصّون في الصف )) وفي الحديث الذي رواه أصحاب السنن وغيرهم وهو حديث صحيح عن أبي ذر وغيره أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : -(( أطت السماء وحُقّ لها أن تئط ، ما فيها موضع شبر إلا وفيها ملك واضع جبهته ساجد لله تعالى يسبح الله ويحمده ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، وخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى )) .. قال الله تعالى : - (( فإن استكبروا فالذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون )) . وصلاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها كيفيتان :-
الكيفية الأولى : - الكيفية الباطنة : -
وهي كمال الذل والخشوع لله تعالى وصدق التعبد والإقبال عليه والإنقطاع إليه عما سواه ولهذا قال الله تعالى : (( قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون )) وقال : - (( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً )) وقد قام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة تامة حتى أصبح . يقرأ آية واحدة من كتاب الله تعالى ، وكان يرددها ويبكي كما في حديث أبي ذر عن النسائي وغيره وهي قوله تعالى (( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم )) فالخشوع سر الصلاة ولبُّها وجوهرها وثمرتها ولاشك أن من الخشوع قدراً واجباً يأثم المرء بتركه والتفريط فيه كما في حديث أبي قتادة الذي رواه أحمد والدارمي والحاكم وصححه وسنده جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :- (( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته )) قالوا يارسول الله وكيف يسرق من صلاته ؟ قال لايتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها )) ولا شك أن السرقة حرام ، بل هي من كبائر الذنوب فكون النبي صلى الله عليه وسلم وصف ذلك الذي لا يتم خشوع الصلاة ولا ركوعها ولا سجودها بأنه قد سرق بل عد سرقته أسوأ سرقة وعدّه هو أسوأ الناس سرقة هذا دليل على أن من إتمام الركوع والسجود والخشوع في الصلاة قدراً واجباً يأثم الإنسان بتركه ولا تتم الصلاة إلا به ، ولا شك أن الخشوع من أعمال القلب . وأعمال القلب هي الأصل لأعمال الجوارح ، وفي الصحيحين من حديث النعمان : - (( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب فالأصل في أعمال الجوارح أعمال القلوب ، فإن صلح القلب وأعماله صلحت أعمال الجوارح ، وإذا فسد القلب وأعماله فسدت أعمال الجوارح ، والناس يتنافسون في أعمال الجوارح ، فربما تنافسوا في التبكير إلى الصلاة وربما تنافسوا في الخشوع الظاهر في الصلاة وربما تنافسوا في تطبيق السنن الواردة في الصلاة ، وربما تنافسوا في تطويل الصلاة وهذا كله حسن وجيد ومشروع وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، وهو خير من التنافس في الدنيا أو في الأموال أو في الأولاد أو في غير ذلك ، ولكن أعظم من هذا التنافس على الأمور الظاهرة ، أن يتنافس الناس على الأمور الباطنة – أعمال القلوب – ولكنهم لا يتنافسون فيها لأنها ليست مما تراه العين أو تسمعه الأذن أو تلمسه اليد فهي سر لا يعلمه إلا العالم بالأسرار والخفيات وهو الله سبحانه وتعالى . وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - (( ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤتى كبيرة ، وذلك الدهر كله ))
يا سبحان الله !! .. أيُّ خير زيد بعد ذلك ؟ ! كفارة لما قبلها من الذنوب !! .. وهي لا تستغرق منك أكثر من عشر دقائق ! .. والمقصود : الذنوب الصغيرة شريطة أن يحسن وضوءها وخشوعها وركوعها . وفي الترمذي ومسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصلاة (( تشهُّدُُ في كل ركعتين وتخشّع وتضرّع وترفع يديك وتقول :يا للهم .. يا للهم ، فمن لم يفعل فهي خداج .. فهي خداج )) وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - (( والله ما يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم ولا سجودكم )) . والخشوع أيها الأحبة علمُُ ، ولا غرابة أن يتسابق الطلاب إلى حضور المجالس التي فيها علمُُ لبعض الأحكام .. لكن كم رأينا ممن يتسابقون إلى المجالس التي فيها علم القلوب كعلم الخشوع أو علم اليقين أو علم الإقبال على الله ومعرفته ومحبته وغير ذلك .
فالخشوع علمُُ لأنه علمُُ بالله وأسمائه وصفاته ومعرفة لعظيم قدره ، حتى لا يكون في شيء أكبر وأعظم من الله تعالى ، ولهذا تستفتح الصلاة لتقول : - (( الله أكبر )) وغير الخاشع يعد من الجاهلين ، وقد قال شداد بن
أوس – وهو صحابي – لجبير بن نفيل : (( هل تدري ما ذهاب العلم ؟ قال : لا ، قال : ذهاب العلم ذهاب أوعيته وهم العلماء . قال له : أتدري أي العلم يرفع أول ؟ قال لا أدري : قال : أول علم يرفع من الناس علم الخشوع ، يوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً )) وهذا الأثر رواه الإمام أحمد في مسنده والدارمي وأهل السنن وهو حديث صحيح .. وللخشوع أسباب لابد من تحصيلها : -
1- تفريغ القلب ، .. فصاحب القلب المشغول بهموم الدنيا المملوء بمشاكلها ، والمستغرق بملذاتها وقضاياها ؟ أنّى له أن يجد في قلبه خانة فارغة يملؤها بشأن الصلاة ، فالصلاة تحتاج إلى القلب ، فإذا احتاج العبد قلبه في الصلاة وجسده الآن مشغول بهموم الدنيا فلا يفرغ لصلاته فلابد أن يكون في قلب الإنسان خانات فارغة دائماً وأبداً لأمر الآخرة ، ولأمر الدين ، لا يسمح أن تملأ بشيء دنيوي قط .
2- التبكير إلى المساجد ، وإحسان الطهور ، والتنفل قبل الصلوات ، وقراءة ما تيسر من القرآن فإن هذا يفرغ القلب ويجرده من الشواغل ويهيئه للإقبال على الله تبارك و تعالى ، ولهذا شرعت السنن الرواتب :
[ ركعتان قبل الفجر ، وأربع قبل الظهر أو ركعتان ، وركعتان بعد العشاء ] وبين كل أذانين صلاة :
[ ركعتين قبل العصر – بين الأذان والإقامة - ، وركعتين قبل المغرب – بين الأذان والإقامة - ، وركعتين قبل العشاء – بين الأذان والإقامة ] . حتى يتفرغ القلب ويتجرد للإقبال على الفريضة .
3- الإقبال على الصلاة ، بقراءتها وذكرها ودعاءها ، فيتأمل العبد ماذا يقرأ في صلاته وبماذا يدعوا أما أن يكون في واد وقلبه في واد آخر فهذا بعيد من الإجابة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة وابن عمر وهو حديث حسن (( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ )) . فلا بد أن يقبل العبد على ربه ويدعوه وإذا قرأ القرآن يعرف ماذا يقرأ ، وإذا ذكر الله يعرف ماذا يقول .
4- ألا يؤدي الصلاة وقلبه مشغول ، بل ينتظر قضاء الصلاة ، ليذهب إلى حاجته ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا صلاة بحضرة طعام ، ولا هو يدافعه الأخبثان )) وذلك أن النفس إذا استشرفت إلى شيء من أمر الدنيا طعام أو شراب أو عملاً أو خبراً أو غير ذلك .فإن العبد يصلي وهو ينتظر قضاء الصلاة لينظر في هذا العمل ، ينبغي للعبد أن يخلص عمل الدنيا ويقبل على صلاته بقلبٍ حاضرٍ متفرغ ، ولهذا وصف الله سبحانه وتعالى الصالحين بالمحافظة على الصلوات وهذا يشمل المحافظة على الوقت ، والطهور وأعمال الصلاة والخشوع وغير ذلك ، وبضدهم ذكر المنافقين فقال : (( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً )) وذكر المشركين فقال : - (( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصديه)) وذكر المرائين فقال:- (( فويلُُ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون )) .. إن الصلاة عبادة محضة ، ليس لها مرتبات .. وليس فيها فوائد دنيوية ولا داعي أن نقول للناس أن العبد إذا صلى كسب رياضة وصحة واستقام حاله ، وتخلص من بعض الأمراض إلى غير ذلك ، .. كلا .. فالعبد لا يأتي إلى المساجد ليكسب مالاً ولا ليكسب صحة ، ولا ليكسب ثروة ، ولا ليكسب جاهاً ، ولا ليكسب مكانة اجتماعية ، إنما يمشي هذه الخطوات إلى مسجد الله تعالى يضع جبهته في التراب لربه تبارك وتعالى ويقول : - (( سبحانك وبحمدك أنا عبدك وبين يديك ، اعترف بذنبي واعترف لك بكل معاني الكمال والجلال والجمال ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))
فليس في الصلاة كبير وصغير وليس فيها أمير ومأمور ولا غني ولافقير بل الجميع فيها سواسية ، أقدامهم سواء ، وأكتافهم سواء ، وجباهم كلهم في التراب معفرة لرب الأرباب . إذن : هذه هي الكيفية الأولى والعظمى ، والكيفية الباطنة لصلاة الأنبياء علهم الصلاة والسلام . فإن الواحد منهم إذا قام إلى صلاته أقبل على ربه أشد الإقبال . قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (( ياأيها المزمل . قم الليل إلا قليلاً . نصفه أو انقص منه قليلاً
أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً . إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً )) عبء الدعوة وتكاليفها ومسئولياتها وهمومها وتبعاتها لا يقوم لها إلا من استعان بالله تعالى وعبد الله وصلى وذكر الله ولذلك قال : - (( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)).
الكيفية الثانية : - الكيفية الظاهرة
والمقصود بها أعمال الصلاة وأقوالها ، وهذه أمرها كبير وطويل ، ولكني اختصر شيئاً منها ، وسوف أتجاوز كثيراً من الأشياء المعروفة المتداولة التي لا إشكال فيها :
-1- يرفع العبد يديه في مبدأ الصلاة ويقول(( الله أكبر )) وهذه تكبيرة الإحرام ، وبها يدخل الإنسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم )) فإذا كبر دخل في الصلاة وأحرم بها ، فأصبح محرماً عليه أن يأكل أو يشرب أو يتكلم أو ينصرف عن القبلة أو يعاني أي عمل من أعمال الدنيا التي تتنافى مع الصلاة ، وهذه التكبيرة ركن من أركان الصلاة ، وينبغي أن يرفع يديه مع التكبير ، يرفعهما إلى منكبيه كما جاء في بعض الأحاديث – أو إلى أطراف أذنيه – كما جاء في أحاديث أخرى ، ورفعهما إلى المنكبين هو مذهب الجمهور وأكثر الأحاديث عليه ولو رفعهما إلى أطراف الأذنين فلا حرج ، فجاء ذلك في أحاديث أخرى . وتوسط بعض أهل العلم فقال : يكون أسفل اليد إلى المنكب وأطراف الأصابع إلى فروع الأذنين ، وهذا الرفع مسنون عند : -
أ- تكبيرة الإحرام ب- تكبيرة الركوع -ج- الرفع من الركوع -د- القيام من التشهد الأول
فهذه الأربعة مواضع ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر وغيره أنه يشرع للإنسان أن يرفع يديه فيهما مع التكبير أو مع التسميع(( يعني قول سمع الله لمن حمده )) وهو سنة على كل حال كما هو مذهب الجماهير من العلماء بما في ذلك الأئمة الأربعة .
-2- بعد التكبير يستفتح العبد وهو سنة ليس بواجب عند جميع أهل العلم ، وأي دعاء ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يستفتح به العبد مثلاً (( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)) هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في صحيح مسلم وغيره ، وجهر به عمر وعلمه الناس ورجحه الإمام ابن القيم من نحو عشرة أوجه ، واختاره الإمام أحمد ، وفي كتاب التوحيد لابن منده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - (( أحب الكلام إلى الله : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك )) وسند الحديث جيد . وغيره ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه عليه السلام كان يستفتح فيقول : - (( اللهم باعد بين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم إغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد )) .
وإن دعا بغير ذلك من الاستفتاحات الواردة وهي نحو أربعة عشر استفتاحاً فلا بأس بذلك ، ولو جمع بين استفتاحين لم يكن عليه في ذلك إن شاء الله حرج ، كما رجحه الإمام ابن تيميه رحمه الله ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى (( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )) .
-3- يضع يده اليمنى على يده اليسرى – كما سبق – وهذا يكاد أن يكون اتفاقا بين العلماء ، وخالف في ذلك القليل-
ثم يضع يديه على صدره لحديث وائل بن حِجر قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده اليمني على اليسرى على صدره )) والحديث رواه ابن خزيمه وفي سنده ضعف ولكن له شاهد آخر مرسل صحيح عن طاووس قال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (( أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى ثم يشد بينهما على صدره )) والحديث هذا رواه أبو داود وهو صحيح مرسل وبه يتقوّى حديث وائل بن حجر رضي الله عنه .
وهناك أقوال : بعضهم يقول : يرسل يديه ، وبعضهم يقول يضعهم فوق السرة ، وبعضهم يقول : يضعهم تحت السرة . وأود أن أقول : إن الأمر في ذلك كله واسع ، أما السنة فلا شك أن السنة هي وضع اليد اليمنى على اليسرى هذا ظاهر وليس إرسال اليدين ، ثم إن وضعها على صدره أو تحت الصدر بقليل أو فوق السرة أو تحت السرة فذلك كله واسع ، والأولى أن يضعهما فوق الصدر .. .. إنما لا ينبغي أن تكون هذه مسألة من المعضلات ، وألا تكون مثاراً للجدل والإشكال والقيل والقال ، وينبغي أن يكون فيها تعاذر وتغا فر وتناصح ، فلو خالفتني في هذه المسألة فلا حرج عليك إن شاء الله ، وأرجو ألاّ تؤاخذني إذ خالفتك أيضاً ، فإن الصلاة كما أسلفنا عبادة المقصود فيها التقرب إلى الله تعالى ، وليس المقصود فيها الجدل والقيل والقال وارتفاع الأصوات ، واختلاف القلوب ، ولأن نضع أيدينا مختلفين فهذا وضعهما تحت سرته ، وهذا وضعها على صدره ، وهذا وضعها فوق سرته مع اتفاق القلوب ، وسلامتها ، والنصح للمسلمين لهو خيرُُ عند الله تعالى من أن نفعل غير ذلك وتكون القلوب مختلفة متنافرة مليئة بالبغضاء لإخوانك المسلمين .
-4- قراءة الفاتحة وهي ركن للإمام والمنفرد لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة :- (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )) أما المأموم فإن كان الإمام يسكت قرأ الفاتحة وإلا سكت المأموم وتكفيه قراءة إمامه إن شاء الله تعالى وفي ذلك أقوال كثيرة هذا أصحها وأرجحها – في ما ظهر لي إن شاء الله – ولذلك أدلة منها قول ربنا تبارك وتعالى (( وإذا قُرِأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )) قال بعض المفسرين أجمع العلماء على أن ذلك في الصلاة ، فإذا كان الإجماع على أن هذه الآية نزلت في الصلاة ، فكيف نستثني منها لحالة الوحيدة التي يمكن أن يقرأ فيها الإمام والمأموم ، وهي ألا يسكت الإمام يعد قراءة الفاتحة ، فإذا لم يسكت الإمام فعليك أن تسمع وتطيع لما قال الله ، فتسكت رجاء أن تدخل في رحمة الله . وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأئمة : - (( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فعليهم ولكم )) صحيح . فقول النبي صلا الله عليه وسلم – يصلون لكم – دليل على أن قراءة الإمام قراءة لمن وراءه . وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :"إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كّبر فكّبروا وإذا قرأ فأنصتوا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا .. ..)) إلى غير ذلك ، فقوله : - (( وإذا قرأ فأنصتوا )) بعد ما بّين ماذا يقول الإمام بيّن ماذا يقول المأموم . فإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده )) قال المأموم (( ربنا ولك الحمد )) .
وإذا ركع الإمام ركع المأموم فبيّن ماذا يجب عليهم جميعاً وهو (( الركوع ، والوقوف ، والسجود ، وغير ذلك ، وبيّن ما يجب على الإمام دون المأموم وهو مثل قوله (( سمع الله لمن حمده )) .
وبيّن ما يجب على المأموم مع الإمام وهو قوله ((ربنا ولك الحمد )) ثم قال (( فإذا قرأ فأنصتوا )) فدل ذلك على أن المأموم مطالب بالإنصات متى شرع إمامه بالقراءة حتى لو لم يتمكن من قراءة الفاتحة . وقد جاء في ذلك حديث (( من كان له إمام فقراءته له قراءة )) وهذا الحديث جاء عن أنس بن مالك وابن عباس وأبي هريرة وابن سعيد وابن عمر وجابر وغيرهم ، وصححه جماعة من أهل العلم كالإمام البوصيري والإمام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ومن المعاصرين الشيخ الألباني وغيره ، وضعفه آخرون . وعلى كل حال فإنه لم يثبت قطعياً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت وهو إمام حتى يتمكن من وراءه من القراءة . ولو كانت قراءة الفاتحة واجبة على المأموم لسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتمكن المأموم من قراءتها . وقد قال عليه الصلاة والسلام يوماً بعد ما انصرف من صلاة الفجر (( مالي أنازع القرآن ، لعلكم تقرئون خلف إمامكم )) قالوا نعم ، فنهاهم – قال الزهري : فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة .
-5- يقرأ بعد الفاتحة سورة استحباباً لا وجوباً – في الركعتين الأولين من الصلاة الرباعية وفي الركعة الثالثة من الصلاة الثلاثية . ففي الفجر يقرأ بطوال المفصل ، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر سورة السجدة و (( هل أتى على الإنسان )) وقرأ سورة ق وقرأ إذا الشمس كورت ، وغالب ما يقرأ ما بين .6 إلى ..1 يقسمهما ما بين الركعتين . أما في الظهر فإنها أقل من الفجر ولكنها أطول من العصر ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ أحياناً في الظهر بطوال المفصل فقرأ بالذاريات بل قرأ في الظهر بلقمان ثبت هذا عنه عليه الصلاة والسلام .
والغالب أنه يقرأ قراءة أقل من صلاة الفجر وأطول من صلاة العصر ، أما في العصر فيقرأ بأواسط المفصل كسورة عمّ والمطففين والتكوير والبروج ونحوها .
أما المغرب فيقرأ أحياناً بالقصار كما في حديث سليمان بن يسار أنه كان يقرأ بقصار المفصل ، وقال أبو هريرة ((اذكرني هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم )) ومثله حديث الصنابحي وقد صلى خلف أبي بكر بالمدينة رضي الله عنه وقد ذكر أنه كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل . وقد قرأ صلى الله عليه وسلم بالمغرب بغير ذلك فقرأ بالطور مرة ، وقرأ بسورة المرسلات بل قرأ بسورة الأعراف – طولى الطوليْين – في مرة أو أكثر.
أما في العشاء فهو يقرأ فيها كالعصر بأواسط المفصل وقد قرأ عليه الصلاة والسلام بالعشاء ((إذا السماء انشقت )) ذات مرة وسجد فيها . وكذلك قرأ في الصحيحين من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل : (( أفتّان أنت يا معاذ ؟ لما أطال القراءة – اقرأ بالشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، وسبح بسم ربك الأعلى . وهذا يتعلق بما يقرأه الإنسان .
-6- يركع الإنسان ويحني ظهره ويجعل ظهره مساوياً لظهره كما قالت عائشة – عن الرسول صلى الله عليه وسلم – أنه : - (( إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوّ به ولكن كان بين ذلك )) وكان لو صُبّ على ظهره الماء لستقر من تساويه واعتداله ، ورأسه كذلك كان مساوياً لظهره عليه الصلاة والسلام وكان يقول في ركوعه
(( سبحان ربي العظيم ، سبحان ربي العظيم )) أما الوجوب فمرة لإنه صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى
(( فسبح باسم ربك العظيم قال : - (( اجعلوها في ركوعكم )) وهذا يتحقق بمرة واحدة . وأما أدنى الكمال فكما قال الفقهاء (( ثلاث )) ويدعوا في الركوع أيضاً بما ورد وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في ركوعه كما في حديث عائشة المتفق عليه (( سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي )) إلى غير ذلك من الأدعية.
-7- يرفع رأسه ويقول (( سمع الله لمن حمده )) إن كان إماماً أو منفرداً ، أما المأموم فلا يقولها بل يكتفي بقوله (( ربنا ولك الحمد )) وهذا الدعاء يشترك فيه الإمام والمأموم والمنفرد فيقولون جميعاً (( ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماء ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق
ما قال العبد ، وكلنا لك عبد ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ))
ما معنى هذا الدعاء .. .. ؟! قد نردده ولا نفهم معناه : -
(( ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد )) يعني هذا الحمد الذي أحمدك يا رب هو حمدٌ كثيرٌ طيبٌ لا ينتهي أ بداً يملأ السماوات ويملأ الأراضي ويملأ غيرهما مما تشاء يا رب. ثم قال (( أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد )) كلنا عبيد لك ، وأفضل وأعظم كلمة قالها عبد هي : - (( اللهم لا مانع لما أعطيت )) هذه أعظم كلمة قالها العبد وأحق كلمة قالها العبد :- (( اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد )) فذوا الحظ والغنى .. . ذو الملك والسلطان .. ذو المال والثراء .. ذو الصحة والقوة ..لا ينفعه منك ذلك ، إنما ينفعه عمله الصالح
أما جدٌّه وحظه الدنيوي فلا ينفعه ..
فليس لإمرٍ قدر الله جمعه مشتٌّ ، ولا مفرق الله جامع
فالعبد الذي يقول هذا أنّى له أن ٌيطأطأ رأسه لغير الله ، أو يذل لسواه ، أو يطلب الدنيا ويفتلها بالدين ، أو يضعف ويخاف من الطواغيت وأعداء الله وأعداء رسوله عليه الصلاة والسلام .. إن المؤمن الذي يقول هذا الدعاء بقلبٍ حاضر سيمتلئ قلبه ثقة بالله وتوكل وشجاعة وجرأة وقوة وإعراض عن الدنيا وهكذا كانت مثل هذه العبادات والأذكار والصلوات تخرج الناس خلقاً آخر غير ما عهد الناس ، فكان الواحد منهم يهجم على الموت ، يبحث عنه ويطلبه في فطانه رجاء أن يكتب الله تعا لى له أجر الشهداء في سبيله . أما المسلم اليوم فإنه يقول هذا الدعاء ثم يمد يده طلباً للدنيا ، ويقول هذا الدعاء ثم يخاف من القوى العظمى – كما تسمى.. أو يخاف من رجال الأمن ، أو يخاف من الدول ، أو يخاف من أعدائه وخصومه ، أو يخاف من الجن – كما نجد عند الكثيرين-
أو يخاف من الشياطين ، أين الإنسان الذي يقول بلسانه وقلبه يواطء لسانه (( لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد )) أن يطلب الدنيا من غير الله تعالى ، أو يقف بباب غير باب الله تعالى ، وهذا الموضع – موضع القيام من الركوع – هو موضع قنوت ودعاء فهو أحد المواضع التي يشرع فيها الدعاء ، ففي الركعة الأخيرة من الوتر ، وكذلك في غير الوتر في الصلوات في النوازل والمصائب العامة التي تنزل بالمسلمين ، ويمكن للإنسان أن يقنت ولو سراً منفرداً ، أو غير منفرد ، فيطيل الوقوف كما كان النبي صلى الله عليه وسلم – يطيله ، ويدعوا الله تعالى بما أحب من خيري الدنيا والآخرة .
-8- يهوي الإنسان بعد ذلك ساجداً لله تعالى .. وهل يقدم للسجود يديه أم ركبتيه ؟
في ذلك خلاف كثير طويل بين أهل العلم .. وقد نقل الإمام ابن تيميه رحمه الله الإجماع على أن صلاة من قدم يديه أو ركبتيه صحيحة ، وإنما الخلاف في الأوْلى والأفضل من ذلك إذن ينبغي أيضاً أن نعطي هذه المسألة قدرها فلا نعظمها ونجعلها مجالاً للخصومات والعدوات والقيل والقال ، واختلاف القلوب ، بل نبحثها بحثاً علمياً هادئاً رزيناً بعيداً عن التشنٌّج والانفعال والإثارة ، فنقول من أهل العلم من قال السنة أن يقدم الإنسان ركبتيه ثم يديه ثم جبهته .. بهذا الترتيب ، وهذا الذي رجحه الإمام ابن القيم ورجحه جماعة من علماؤنا المعاصرين كسماحة الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وغيرهم من أهل العلم . ومن أهل العلم من قال السنة أن يقدم الإنسان يديه ثم ركبتيه – إذا هوى إلى السجود – وكأن هذا أشبه وأقرب إلى السنة أن يقدم الإنسان يديه ثم ركبتيه . وفي حديث أبي هريرة (( إذا سجد أحدكم فلا يبرُك كما يبرُك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه )) ومثله حديث عمر بمعناه ، وهو أصح من حديث وائل بن حجر الذي ذكر تقديم الركبتين قبل اليدين .
وعلى كل حال فسواءً قدم الإنسان يديه أو قدم ركبتيه فإنه ينبغي ألا يشتبه بالحيوانات في هذا الهويّ ، فإن الإنسان إذا انحط بجملته وكُلّيته مرة واحدة كان متشبهاً ببروك البعير ، والتشبه بالحيوانات مذموم خاصة في الصلاة ، فعلى الإنسان إن هوى بركبتيه أن ينزل تدريجياً ، وإن هوى بيديه أيضاً أن ينزل تدريجياً أيضاً ، وعليه في سجوده أن يباعد جسمه بعضه عن بعض ، فيباعد بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ، ويرفع ذراعيه ، ليعطي كل عضو حقه من السجود ويقول في ذلك السجود :- (( سبحان ربي الأعلى ، سبحان ربي الأعلى )) والواجب مرة واحدة ، وما زاد فهو من الكمال والفضل ، ولما نزلت (( سبح اسم ربك الأعلى )) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - (( اجعلوها في سجودكم )) . ويستحب له أن يكثر من الدعاء لقوله عليه الصلاة والسلام : - (( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم )) وكان من الدعاء المشروع أن يقول :- (( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي )) وكذلك (( سبّوح قدوس رب الملائكة والروح )) وكذلك (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، ويا مصرف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك ))
-9- يرفع من سجوده ويجلس بين السجدتين ، ويضع يديه على ركبتيه أو على فخذيه ، ويدعوا بما ورد ، وقد ورد في هذه المواضع عشرة ألفاظ يدعوا بها (( رب اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ، وعافني ، وارزقني ، وانصرني ، واجبرني ، وارفعني ، واعفوا عني ))
وقد جاء أيضاً ولا حرج أن يقول ذلك كله (( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير))
** يسجد السجدة الثانية كطبيعة السجدة الأولى .
0- 1- يقوم بعد السجدة الثانية إلى الركعة الثانية وإن جلس قبل أن يقوم للركعة الثانية جلسة خفيفة فهذا حسن وهذه الجلسة تعرف عند الفقهاء ب(( جلسة الاستراحة )) وقد جاء فيها أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حديث مالك بن الحويرث في صحيح البخاري أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا كان في وترٍ من صلاته – يعني إذا انتهى من الركعة الأولى أو الثالثة – لم ينهض حتى يستوي قاعداً )) وهذا الحديث – حديث مالك بن الحويرث – هو أشهر الأحاديث في الباب كما قال الحافظ ابن حجر ، ومن ميزاته أنه لم يرد إلا على هذه الصورة ، فكل أحاديث مالك بن الحويرث فيها ذكر هذه الجلسة الخفيفة بعد الركعة الأولى وبعد الركعة الثالثة ، وقد جاء أيضاً حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (( أنه يرفع من السجود ثم يقول (( الله أكبر )) ثم يثني رجله فيقعد عليها معتدلاً )) وهذا اللفظ رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وحديث أبي حميد جاء فيه رواية أخرى سكت عن جلسة الإستراحه ، وجاء في رواية ثالثة نفى أن يكون جلس قال (( ثم يقوم ولا يتورك )) ومثله أيضاً حديث أبي هريرة في قصة المسىء صلاته وأن النبي صلى الله عليه وسلم جلس تلك الجلسة ، وقد رواها البخاري في الأوجه الثلاثة ، فمرة ذكر هذه الجلسة الخفيفة ، ومرة سكت عنها ، ومرة ذكر ما يدل على أنه تركها . ومثله أيضاً حديث رفاعة بن رافع في قصة المسىء صلاته ، وقد اختلف أهل العلم كثيراً – فقال بعضهم سنة أن تجلس هذه الجلسة الخفيفة ، وقال بعضهم مكروه ، وقال بعضهم يفعلها للحاجة ، والأوْلى والأقرب – والله أعلم – أن يفعلها تارة ويتركها تارة جمعاً بين النصوص ، وهذا ما كان يفعله الإمام أحمد كما في كتاب (( مسائل الإمام أحمد لابن هانىء)
فإنه قال كان يفعلهما مرة ويتركها ، وفي ذلك جمعٌ بين الأقوال . ولو حافظ الإنسان على هذه الجلسة لم يكن عليه في ذلك من حرج أو بأس إذا اعتقد سُنيتها ، لأن أمامه أدله قوية وأمامه علماء جهابذه عظام قالوا بمشروعية هذه الجلسة في كل حال وعلى الإطلاق .
-11- التشهد الأول والجلوس له وهو واجب وقال أكثر أهل العلم هو سنة ويقرأ في هذا التشهد بالتحيات . وإن صلّى على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التشهد أحياناً فحسن لثبوته عن بعض الصحابة ، هذا بالنسبة للتشهد الأول .
• أما التشهد الأخير فهو ركن ولا بد فيه من الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوا في التشهد الأخير بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ، ومن الأدعية الواردة – كما في الصحيحين – (( أعوذ بالله من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح والدجال )) بل قال بعض أهل العلم هذا الدعاء واجب ، وأمر طاووس ابنه لما ترك هذا الدعاء أن يعيد صلاته ، ومن الدعاء الوارد ((اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرةً من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ))
ومنه أيضاً (( اللهم أعني على ذكرك وشكرك ، ، وحسن عبادتك )) ومنه (( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ..)) إلى غير ذلك من الأدعية .
-12- أما الجلسات في الصلاة فهي نوعان :-
النوع الأول - : الإفتراش:- وهو أن يقعد على رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وهذا يكون في القعدة بين السجدتين ، ويكون في التشهد الأول أيضاً ، ويكون أيضاً في التشهد الأخير في الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد كصلاة الفجر أو النافلة ونحوها .
النوع الثاني :- التورُّك :- ويُقصد به أن يُفضي الإنسان بمقعدته إلى الأرض ويجعل قدميه عن يمينه ، فينصب اليمنى ويجعل اليسرى مفروشة تحتها ، أو يجعل اليسرى بين فخذه وساقه أو غير ذلك . وهذه القعدة
(( التورك )) إنما تفعل في التشهد الأخير في الصلاة التي يكون فيها تشهدان كصلاة المغرب أو العشاء أو الظهر أو العصر . وقيل بل يفترش في كل تشهد . وقيل بل يتورك في كل تشهد . والاعتدال أنه يتورك في التشهد الأخير من الصلاة الثلاثية والرباعية ويفترش في التشهد الأول في الصلاة الثلاثية والرباعية وكذلك في الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد .
-13- هناك صفات متنوعة في بعض الأعمال في الصلاة :- مثل الاستفتاح : فينبغي أن ينوع العبد ، فمرة يستفتح بدعاء ومرة بدعاء آخر ، حتى لا يكون ذلك على سبيل العادة ، ويقرأه دون أن يتدبره أو يتأمله أو ينتبه إليه .
ومثله أيضاً أدعية الركوع والسجود ، ومثله أنواع التشهدات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كتشهد ابن مسعود : - (( التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لاإله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ))
أو تشهد ابن عباس : - (( التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله )) أو تشهد عائشة أو تشهد عمر أو تشهد أبي موسى أو عيرهما .
ومثله أيضاً الجهر بالبسملة أو الإسرار بها ، فقد جاء في بعض الأحاديث وهي صحيحة ومذهب كثير من أهل العلم أنه يجهر بالبسملة – يعني الإمام – في الصلاة الجهرية من سورة الفاتحة ، وقال آخرون بل يُسرُّ بها ، والأقرب كما رجحه الإمام ابن القيم وغيره – أن الغالب أنه يُسرُّ بها ولكنه يجهر بها أحياناً كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
ومثله أيضاً التسليم فقد سلّم النبي صلى الله عليه وسلم مرة فقال :- } السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته { ومرة أخرى قال } السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم ورحمة الله { . والغالب أنه كان يقول } السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله { . وربما قال }السلام عليكم ، السلام عليكم {
وكل ذلك جائز ويتم به الانصراف من الصلاة وأكثر ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم } السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله { . ومما ينبغي أن يُعلم أن الواجب هو التسليمة الأولى فقط ، أما التسليمة الثانية فهي سنة نقل ابن المنذر إجماع العلماء على عدم وجوبها .
-14- هل يشرع للإنسان أن يسبّح الله تعالى ويسأله ويستعيذ إذا سمع من الإمام آيات فيها سؤال أو استعاذة أو تسبيح ؟
يعني : - هل يشرع له أن يقول (( سبحانك )) إذا جاء ذكر الله تعالى أو يسأل الله الجنة إذا جاء ذكر الجنة ، أو يستعيذ من النار إذا جاء ذكر النار ؟
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في صلاة الليل كما في حديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة والنساء وآل عمران ، لا يمر بآية فيها تسبيح إلا سبّح ، ولا تعوذ إلا إستعاذ ، ولا سؤال إلا سأل )) .
ومثله حديث عوف بن الأشجعي ، كما روى موسى بن أبي عائشة قال (( كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فوق سطح بيته فكان إذا قرأ قول الله تعالى :- (( أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى )) قال سبحانك فبلى ، سبحانك فبلى فسأله : فقال سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم )) والحديث رواه أبو داود وسنده جيد وفي المسألة أقوال ، قيل يكره ذلك مطلقاً في الفريضة والنافلة ، وقيل هو مشروع مطلقاً ، والاعتدال أن ذلك مشروع في النافلة لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو جائز في الفريضة أيضاً فلا دليل على منعه ، والأصل أن ما جاز في النفل جاز في الفرض إلا أن يدل الدليل على غير ذلك ، وقد ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يسبحون الله تعالى ، ويسألونه ويستعيذون به في الفريضة .
-15- الأدعية والأذكار في أدبار الصلوات المكتوبات : كان صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته قال قبل أن يلتفت إلى الناس (( استغفر الله ، استغفر الله ، استغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام )) ثم التفت إلى الناس ، وقال : (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )) ثلاث مرات ، وفي المغرب والفجر كان يقولها عشراً ، وكان يجهر بها صلى الله عليه وسلم ، إلى أدعية وأذكار أخرى كثيرة كان يقولها ، منها (( اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك )) (( اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد )) (( اللهم إني أعوذ بك من الجبن و .. )) إلى غير ذلك من الأدعية والأذكار ، وكذلك كان يقرأ آية الكرسي دبر كل صلاة وسورة الإخلاص (( قل هو الله أحد )) و (( قل أعوذ برب الفلق )) و (( قل أعوذ برب الناس )) دبر كل مكتوبة . وينبغي أن يُراعى في مسألة الجهر والإسرار أمور منها : ألا يكون الجهر شديداً بحيث يؤذي من حوله ومن وراء ة بل يجهر جهراً معتدلاً حتى تختلط الأصوات ، ويضيع بعضها في بعض ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في ما رواه أهل السنن – وسنده صحيح – كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض )) ففي المسجد ذاكرون وفيه من يقضي الصلاة ، وفيه أناس .. فينبغي أن يجهر الإنسان بقدر ما يسمعه من حوله ، ويكون للجهر دوي لا يتميز ، فلا يؤذي بذلك أحد ويكون فيه تعليم للجاهل , ورفع للذكر ، وطرد للشيطان ، واتباع لسنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
رابعاً : - آداب ومناقب : -
-1- المصلي يجب أن يكون قدوة في عمله وقوله وسلوكه ، أولئك المترددون على المساجد رمز للهداية، ورمز للتقوى ، ورمز للدين والطاعة ، فينبغي أن يكون من تعظيمهم لقدر الصلاة أن يحرصوا على أن يكونوا قدوة في أعمالهم وأقوالهم لئلا يؤخذ عليهم شيء .
-2- ينبغي احترام المساجد بتنظيفها وتطييبها وتطهيرها وحفظها وصيانتها ، قال الله عز وجل (( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه )) وحماية المساجد من كل ما يتنافى مع العبادة مثل البيع والشراء فقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، بل أمر أن يقال لمن يبيع ويشتري (( لا أربح الله تجارتك )) ومثله الشعر ، تناشد الأشعار ، يعني أن يتحول المسجد كأنه منتدى أدبي ، أو أمسية شعرية للقيل والقال والأشعار والرد ، أما قراءة الأبيات المناسبة فهذا لا بأس به ، ومثله أيضاً رفع الأصوات في المساجد والجدل العقيم ومثله وضع الصور والرسومات الملفتة في المساجد ، خاصة في جهة القبلة فإنها تشغل المصلي ، وربما أخذت شيئاً من وقته ولهذا إذا كان في قبلة المصلي ما يشغل بصره ، أو في جهة نظره في موضع سجوده ، فإنه لا بأس حينئذٍ لهذا العارض الطارئ - أن يغمض عينيه إذا كان يحتاج إلى ذلك ، وإلا فالأصل أن لا يغمض عينيه في الصلاة ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يغمض عينيه في الصلاة .
-3- ينبغي على المتردد على المسجد أن يحترم إخوانه من المصلين ،و يحسن معاملتهم ، والهشاشة والبشاشة في وجوههم والبسمة لهم ، والسؤال عن أحوالهم ، وتجنب ما يحرجهم أو يعنتهم أو يشق عليهم ، فقد كان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم (( عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )) ومن ذلك أيضاً تجنب أن يطيل الإنسان الصلاة أو القراءة طولاً يشق على من وراءه ، وقد عاتب النبي صلى الله عليه وسلم معاذا وقال له : - (( أفتّان أنت يا معاذ ؟ )) وخاصة في صلاة الفريضة لأنها واجبة على الجميع ، أما النافلة – كما هي الحال في التراويح والقيام في رمضان – فالأمر أوسع لأن النافلة بإمكان الذي يشق عليه ذلك كالكبير ، والمريض ، وغيرهم أن يقعد ، وبإمكانه أن يصلي ما كتب الله له ثم يدع ما لا يطيق . ومثله أيضاً مراعاة المصلين في أسلوب الوعظ والحديث بحيث يتلطف معهم ، ويحرص على التسلل إلى قلوبهم بالكلمة الهادئة الهادفة.
خامسا: - تحذيرات نبوية : -
التحذير الأول :- ترك الصلاة :- ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )) و (( وبين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )) . وقد اختلف أهل العلم في ذلك فذهب بعضهم إلى أن من ترك الصلاة كفر كفراً أكبر مخرج من الملة ، وقال بعضهم هو كفر أصغر . والأقرب ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيميه وغيره ونسبه إلى جماعة من العلماء ، أن تارك الصلاة إن تركها بالكلية لا يصلي ليلاً ولا نهاراً ، لا مع الجماعة ولا في بيته ، لا في رمضان ولا في غيره ، لا جمعة ولا جماعة ، فهو كافر . أما إن كان يصلي ويترك ويصلي أحياناً وينشغل عنها فهذا على خطرٍ عظيم ، وقد أتى باباً من أبواب الكبائر ، ويخشى أن يختم له بسوء وقد يجره ذلك إلى ما هو اعظم منه ، لكن لا يحكم عليه بالردة والخروج من الإسلام .
التحذير الثاني :- ترك الجماعة -:فإن الجماعة واجبة ، أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وقال :- (( أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً )) وقال صلى الله عليه وسلم :- (( صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبعٍ – وفي رواية – بخمسٍ وعشرين درجة )) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أنه يلزم الإنسان أن يصلي مع الجماعة إذا كان صحيحاً مقيماً معافى .
التحذير الثالث : - التساهل في الطهور :- فإنه على خطرٍ عظيم ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسن الإنسان وضوءه لصلاته .
التحذير الرابع :- عدم متابعة الإمام :- بحيث يسابقه الإنسان ، يركع قبله أو يسجد قبله أو يوافقه أحياناً فيركع معه أو يسجد معه مع العلم أنه لن يسلم إلا بعد سلام الإمام ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المسابقة وحذر منها أشد التحذير وفي حديث البراء بن عازب في الصحيح قال :- (( كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كنا وراءه لم يحني أحد منا ظهره حتى تقع جبهته صلى الله عليه وسلم على الأرض ، ثم يخر أحدنا بعد ذلك ساجداً )) فلا تنتقل إلى الركن إلا بعد أن يتم انتقال الإمام إليه . وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسل قال كا في حديث أنس :- ((أيها الناس إنما أنا إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف فإني أراكم أمامي ومن خلفي )). وفي حديث أبي هريرة أيضاً وهو في الصحيح :- ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار " وهذا من التشديد والوعيد على من فعل ذلك
التحذير الخامس :- رفع البصر إلى السماء : - خاصة حال الدعاء ، وفي جميع الصلوات فإنه محرم ، وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :- (( .. لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم إلى السماء أولا ترجع إليهم أبصارهم )) .
التحذير السادس :- مسح الحصى والأرض والتراب باليد :- وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : - (( إن كنت ولا بد فاعلاً فواحدة )) وقال :- (( واحدة أو دعه ))
** اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وصلنا ولا تقطعنا ، وجْد علينا بكريم نوالك ، وتتابع إفضالك . اللهم خذ بأيدينا إلى ما تحب وترضى . اللهم زكِّ أقوالنا وأعمالنا وعقولنا وقلوبنا واهدنا ويسّر الهدى لنا ، اللهم لو عذبتنا لفعلت وأنت غير ظالمٍ لنا ، ولو رحمتنا كانت رحمتك خير من أعمالنا . فيا من لا يعاجل بالعقوبة ألهمنا حسن التوبة إليك ، وعظيم الزلفى لديك ، وجميل التوكل عليك ، نحن بك وإليك ، تباركت وتعاليت ، اللهم إننا نناجيك بقلوب أرهقتها الذنوب ، وندعوك وقد علمت ما فرط منا مما وسعه حلمك ، وستره عفوك ، وغمره برك ، فيا أهل المغفرة اغفر لنا .. ويا أهل التقوى استعملنا في طاعتك ، ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وسبحانك وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك…
منقول
سبيل الخير