وقد كره بعض أهل العلم تعليق التميمة على كل حال قبل نزول البلاء وبعده.
والقول الأول أصح في الأثر والنظر إن شاء الله تعالى.
وما روى عن ابن مسعود يجوز أن يريد بما كره تعليقه غير القرآن أشياء مأخوذة عن العرافين والكهان، إذ الاستشفاء بالقرآن معلقا وغير معلق لا يكون شركا، وقوله عليه السلام : " من علق شيئا وكل إليه " فمن علق القرآن ينبغي أن يتولاه الله ولا يكله إلى غيره، لأنه تعالى هو المرغوب إليه والمتوكل عليه في الاستشفاء بالقرآن.
وسئل ابن المسيب عن التعويذ أيعلق ؟ قال: إذا كان في قصبة أو رقعة يحرز فلا بأس به. وهذا على أن المكتوب قرآن.
وعن الضحاك أنه لم يكن يرى بأسا أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الجماع وعند الغائط.
ورخص أبو جعفر محمد بن على في التعويذ يعلق على الصبيان.)
ويقول الدكتور محمد عثمان شبير ( ثالثا : تعاطى ماء الرقية والسوائل المقروء عليها:
من الطرق المستعملة في العلاج بالرقى والتمائم أن يكتب في ورقة أو إناء نظيف سوراً من القرآن، أو آيات منه، أو الأذكار، أو أسماء الله تعالى؛ ثم يغسله بالماء، فيَغتسل بالماء أو يشربه ويمسح جسده بها. أو أن يقرأ آيات من القرآن على ماء أو زيت فيتعاطاه المريض. وأُطلق على ذلك "النشرة" فهل يجوز ذلك؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية وأحمد في رواية إلى جواز ذلك . وبه قال بعض السلف فذُكر عن ابن عباس أنه أمر أن يكتب لامرأة يعسر عليها ولادها آيتان من القرآن يغسل ويسقى.
وقال أيوب "رأيت أبا قلابة كتب كتاباً من القرآن، ثم غسله بماء وسقاه رجلاً كان به وجع" . وعن محمد بن مروان عن أبى جعفر قال: "من وجد في قلبه سوءاً فليكتب "يس" في جام بزعفران ثم يشربه". وعن مجاهد قال: "لا بأس أن يكتب القرآن ثم يغسله ويسقي المريض" .
وقال الإمام عبد الله المروزي: "لا بأس بالتداوي بالنشرة، تكتب في ورق أو إناء نظيف سور من القرآن، أو بعض سور، أو آيات متفرقة من سورة، أو سور، مثل آيات الشفاء … ثم قال: وما زال الأشياخ من الأكابر رحمة الله عليهم يكتبون الآيات من القرآن والأدعية فيسقونها لمرضاهم ويجدون العافية" .
قال صالح بن أحمد بن حنبل ربما اعتللت فيأخذ أبى قدحاً فيه ماء، فيقرأ عليه ويقول: اشرب منه واغسل وجهك ويديك.
ونقل عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه رأى أباه يعوّذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه، ويصب على نفسه منه. قال عبد الله: ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في جب الماء ثم شرب فيها.
ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم فيستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه. وقال يوسف بن موسى إن أبا عبد الله كان يؤتى بالكوز ونحن بالمسجد فيقرأ عليه ويعوذ.
وقال أحمد: "يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادها في جام أبيض ، أو شيء نظيف : بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين" . ( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلاّ ساعة من نهار بلاغ ) ، ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) ، ثم تسقى منه وينضح ما بقى على صدرها .
واستدلوا لذلك بما يلي:
1- ما روى ابن السني -بسنده- عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عسر على المرأة ولادها أخذ إناء لطيفاً (نظيفاً) يكتب فيه
كأنهم يوم يرون ما يوعدون . إلى آخر الآية ) … و ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) و( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب )… إلى آخر الآية. ثم يغسل ويسقى المرأة منه وينضح على بطنها وفرجها " .
2- ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقرأ بالمعوذتين في إناء، ثم تأمر أن يصب على المريض .
3- ولأن القرآن الكريم مبارك ، والبركة تلحق كل شيء تلاقيه من ماء وغيره، فيكون الماء مباركاً ببركة القرآن الكريم، فيقع بذلك الماء الشفاء إن شاء الله تعالى.
القول الثاني: ذهب أحمد في رواية الخلال إلى عدم جواز التداوي بغسالة الرقية، وهو ما ذهب إليه الحسن البصري وإبراهيم النخعي . واستدلوا لذلك بما روى عن الحسن البصري قال: سئل أنس عن النشرة فقال: "ذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال: هي من عمل الشيطان" . والراجح ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من جواز تعاطي ماء الرقية والسوائل المقروء عليها، لأنه استعمال لسائل اختلط بشيء له فضل، وهذا له أصل في السنة؛ فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتبركون بفضلة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث على الرقية ويمسح بها المريض. أما الحديثان اللذان استدل بهما المجيزون فقد بحثت عنهما فلم أجد من ذكرهما في كتب السنة المعتبرة.
وأما حديث "النشرة" الذي استدل به المانعون فيحمل على ما إذا كانت النشرة مخالفة لما في القرآن والسنة، أو على النشرة المعروفة عند أهل السحر والتعزيم - كما قال البيهقي: "القول فيما يكره من النشرة، وفيما لا يكره- كالقول في الرقية )
ويقول في موضع آخر ( اتفق الفقهاء على عدم جواز تعليق التميمة بالمعنى الجاهلي وهى "الخرزة التي تعلق على الأولاد يتقون بها العين في زعمهم،"وعلى هذا المعنى تحمل أحاديث النهي عن تعليق التمائم.
واختلفوا في جواز تعليق التميمة بالمعنى الآخر وهو: "ورقة يكتب فيها شيء من القرآن أو غيره، وتعلق على الرأس مثلاً للتبرك ".
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في قول إلى جواز تعليق التميمة في عنق المريض أو على رأسه. وهو ما قال به بعض السلف مثل عائشة رضي الله عنها، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والضحاك، وأبى جعفر: محمد بن على، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن المسيب.
فقد سئل سعيد بن المسيب عن التعويذ يعلق قال: إذا كان في قصبة أو رقعة يحرز فلا بأس".
وعن الضحَّاك أنه لم يكن يرى بأساً "أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الجماع، وعند الغائط".
يتبع