هل يقع طلاق المسحور؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
قد يتعرض البعض في المجتمعات الإسلامية لخطر السحر والسحرة ، وقد تؤدي تلك الأفعال الخبيثة إلى حصول التباغض والكره والتنافر خاصة بين الزوج وزوجه ، وقد أخبر الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه عن ذلك قائلا : ( 000 فَيَتَعَلمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ 000 ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 102 ) 0
قال ابن كثير - رحمه الله - : ( أي فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر ما يتصرفون به فيما يتصرفون من الأفاعيل المذمومة ما إنهم ليفرقون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف ، وهذا من صنيع الشياطين ) ( تفسير القرآن العظيم - 1 / 137 ) 0
ونتيجة لذلك فقد يقع الطلاق من الزوج نتيجة لتأثره بالظروف النفسية من جراء تلك الأفعال الخبيثة ، أو نتيجة عدم الوعي والإدراك ، وكم من أزواج اعتصرهم الحزن والأسى والندم نتيجة لتلفظهم بتلك الكلمة ، ومنهم من جاء يبكي عند أهل العلم والعلماء يبحث حلا لمشكلته ، حيث طلق زوجته ثلاثا ، والسؤال الذي يتبادر للكثيرين ، هل يقع طلاق المسحور من الناحية الشرعية في مثل تلك الظروف أم لا ؟
وفي المسألة تفصيل :
1)- أن يكون الإنسان تحت تأثير السحر بنوعيه التخيلي أو صرع الأرواح الخبيثة ، وقد أثر عليه ذلك السحر فتلفظ بالطلاق ، فيكون الأمر على إحدى حالين :
أ- أن يكون مدركا واعيا لحظة تلفظه بالطلاق ، ولكنه أطلق تلك الكلمة نتيجة للظروف الصعبة التي يعاني منها بسبب السحر ، أو تلك التي تعاني منها الزوجة ، وفي هذه الحالة يقع الطلاق 0
ب- إن لم يكن مدركا بالكلية ما يقوم به من تصرف أو تلفظ ، وفي هذه الحالة لا يقع الطلاق ، لأن الرجل لم يكن في وعيه وإدراكه 0
قال ابن قدامة : ( أجمع أهل العلم أن الزائل العقل بغير سكر ، أو ما في معناه ، لا يقع طلاقه ، كذلك قال عثمان ، وعلي ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، والنخعي ، والشعبي ، وأبو قلابة ، وقتادة ، والزهري ، ويحيى الأنصاري ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي 0 وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق في حال نومه ، فلا طلاق له 0 وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رفع القلم عن ثلاثة ، عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل ) ( أخرجه الإمام البخـاري في صحيحه - كتاب الطلاق ( 11 ) باب الطلاق في الاغلاق – وكتاب الحدود – ( 22 ) بـاب لا يرجم المجنون والمجنونة ) ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل ، كالبيع 0 وسواء زال عقله لجنون ، أو إغماء ، أو نوم ، أو شرب دواء ، أو إكراه على شرب خمر ، أو شرب ما يزيل عقله شربه ، ولا يعلم أنه مزيل للعقل ، فكل هذا يمنع وقوع الطلاق ، رواية واحدة ، ولا نعلم فيه خلافا ) ( المغني – باختصار – 10 / 345 ) 0
2)- إن كانت الزوجة هي التي تعاني من تأثير السحر بنوعيه التخيلي أو صرع الأرواح الخبيثة ، وصدر الطلاق من الرجل أي كانت الظروف ، عند ذلك يقع الطلاق 0
قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله -
ومن سحر فبلغ به السحر أن لا يعلم ما يقول فلا طلاق له ) ( مختصر فتاوى ابن تيمية – ص 544 ) 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين السؤال التالي : هل يقع طلاق المسحور أم لا ؟
فأجاب – حفظه الله – : ( إذا غلب السحر على العقل وألحق المسحور بالمجانين لم يقع طلاق ، لأن الطلاق يشترط له العزم لقوله تعالى : ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) ( سورة البقرة – الآية 277 ) ، وفاقد العقل ليس له عزم ولا نية ، فأما إن كان الطلاق مع الفهم والعلم بآثار الطلاق وما يسببه من الفرقة فإنه يقع ، لكن إن عمل السحر في صرفه عن زوجته وإيقاع الكراهة بينهما ولم يجد الراحة إلا في الطلاق على حد قوله تعالى : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 102 ) فالظاهر أنه لا يقع لأنه مغلوب على أمره والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
ولا بد للمسلم من مراعاة الأمور التالية :
1)- إن مسائل الطلاق وكافة القضايا التي تحتاج لحكم القضاء ، لا بد من عرضها على المحكمة الشرعية ليحكم ويبت فيها ، بعد الإلمام بكافة جوانبها من قبل القاضي الشرعي 0
2)- يستوجب الأمر الصدق والإخلاص من المريض ( المسحور ) لكي يقدم كافة المعلومات الصحيحة المتعلقة بحالته ، ومن ذلك التلفظ بالطلاق هل تم في حالة غياب الوعي والإدراك أم في حالة الوعي والإدراك ، لأن القاضي بشر يحكم بناء على المعطيات المتعلقة بالقضية الحسية والثبوتية ، فلا بد من تقوى الله سبحانه وتعالى عند تقديم تلك المعلومات ، دون زيادة أو نقصان أو كتمان للحق 0
ولذلك لا بد للمسحور أن ينضبط بضوابط الشريعة ، وأن يتمالك نفسه عند الغضب ، وليحذر كل الحذر من التلفظ بكلمة الطلاق حال وعيه وإدراكه أياً كانت الأسباب الداعية لذلك ، وقد يندم عندما لا ينفع الندم ، وليعلم بأنه مسؤول كامل المسؤولية عند التلفظ بهذه الكلمة ، وأن طلاقه نافذ إلا ما كان بعدم وعي وإدراك كما أشرت آنفا 0
وكم من حالات مرضية كانت تعاني من السحر ومؤثراته تلفظوا بتلك الكلمة ، ومن ثم بدأوا بالبحث عن طريقة وفتوى للخروج من ذلك الحرج ، فلا بد للمسلم أن يملك زمام أمره ونفسه وقت الغضب ، وأن يتخذ الأسباب الشرعية الداعية لدفع ذلك ، ويلجأ إلى الله سبحانه وتعالى وكتابه العظيم ، وكذلك الدعاء والذكر والصلاة وقيام الليل ، وكل ذلك موجب - بإذن الله تعالى - لتفريج الهم وإزالة الكرب 0
هذا ما تيسر بخصوص هذه المسألة سائلاً المولى عز وجل أن يقينا شر السحر والسحرة والمشعوذين ، وأن يحفظنا بحفظه ، وأن يرعانا برعابته ، وأن يخلص لنا القول والعمل ، مع تمنياتي للجميع بالصحة والسلامة والعافية :
منقول
سبيل الخير